2024-03-29 - الجمعة
00:00:00

آراء و مقالات

السياسة والإصلاح والاستبداد شرقاً وغرباً

{clean_title}
د. مهند مبيضين
صوت عمان :  


كان أفلاطون يرى أن أول مهمة للفيلسوف إضفاء صفة العلم على الأخلاق والسياسة لتطابقهما في منطلقهما وعلى الخير والحق لعدم اختلافهما، وهو في هذا الصدد كان يرى أن هذه النخبة لا بد أن تؤمنها تنشئة دقيقة تتحمل الدولة تكاليفهما، والواقع أن المقصود بالنخبة عند أفلاطون هي النخبة السياسية التي تمتلك معرفة العلم السياسي الذي لا علم بعده عنده، أنه علم الحق والخير أي أنه العقل المستنير تماماً (جان توشار ـ تاريخ الفكر السياسي).

لا شك أن النخبة عند افلاطون كانت تريد الإصلاح، تريد عقلنة السياسية بقواعد العمل والاخلاق، ولاحقا تسربت افكار افلاطون إلى الفكر العربي والإسلامي، وحاول مثقفون وعلماء عرب ان يجدوا صيغة لترسيخ قواعد افلاطون، وان يضعوا العقل الفلسفي مع الفعل السياسي، وكان للفكر الإسلامي تجربة في تعريف وممارسة السياسة لكنها غالبا ما اصطدمت نهاية الأمر بالاستبداد.

كان هنا فقهاء اصلاح وتجديد في ازمنة انحطاط، امثال ابن رشد والغزالي والماوردي والمقريزي وصولاً للكواكبي وسليمان البساتني، وانتهت آخر خلافة إسلامية بمنموذج مستبد هو السلطان عبدالحميد الذي لقب بالسلطان الاحمر، وهو المسؤول عن قتل الكواكبي في القاهرة وتعذيب ولي الدين يكن في اسطنبول ونفي الكثير من مطالبي الإصلاح ورواد النهضة وهذا مار لم يقتصر على العرب بل لقي ذلك المصير مصلحين اتراك امثال مدحت باشا مثلا الذي سجن في سجن الطائف ومات مسموماً.

كان مصدر ازعاج عبدالحميد وقبله من السلاطين والخلفاء من المصلحين، يكمن في ان المثقف العربي والمسلم المعارض للبطش والفساد قدم بديلاً عن التفرد بالسلطة، فميا قدم علماء آخرون اعترافا بضرورة توجيه النصيحة للسلاطين وعدم مقاطعتهم، والبعض من السلاطين قرب منه علماء واحترمهم، والبعض وظفهم لصالح تسويق مشروعه المستبد وهم الطبقة التي حذر منها الكواكبي.

حتى اليوم ما زال الفكر العربي يعاني معضلة المثقف والسلطة، وقد حل الإمام الشوكاني وهو من فقهاء الزيدية في اليمن هذه المسألة والعلاقة بين السلاطين والعلماء في رسالته «رفع الاساطين عن حكم الاتصال بالسلاطين».

ومع ذلك، ظل هناك مفكرون وعلماء عرب بعيدون عن انجاذابات السلطة، والبعض اسهم بعقلنة المال والجاه لدى السلطان، وكل ذلك ليس بعيدا عن ما عرّف به المسلمون السياسة بتعبيرات مختلفة، وفيها خلط مع الشريعة أو ما سمي بالسياسة الشرعية، والتي تؤول في معناها إلى حمل الكافة على مقتضى أمر الشريعة، وبهذا فالسياسة التي عرفها الحكم في الإسلام تنتهي بتطبق تعاليم الإسلام. وليس لهذا التعريف اتساق بالمفهوم الإفلاطوني او المفهوم الأرسطي نسبة لارسطو.

لاحقا رفعت جماعة الإخوان المسلمين شعار «الإسلام هو الحل»، في صيغة تلطيفية تذكيرية بالفهم الإسلامي للسياسة، فإما أن نحكم بالشرع، او لا، وكان ذلك الشعار يضمن عدم الاعتراف بانظمة الحكم القائمة، ولاحقا صار هناك مراجعات فكرية تضمنت انزياحاً نحو السياسة أكثر، لكن ليس بوصفها علم.

في الشرق ظلت السياسة بمفهومها الشرعي وارتبطت بالسلطان القائم، وتحولت إلى فن ملتصق بمنح وهبات وغنائم، أما في الغرب فتطورت واكتسبت من التراكم المعرفي منذ سقراط وافلاطون ثم أرسطو ثم مع صراع الكنيسة والدولة في زمن ميكافلي ومن بعد في عصر التنوير مع فولتير وسبنسر ومنتسكيو، هؤلاء جعلوا السياسة كفن للحكم جذابة حتى للدكتاتوريات.

مثلا ارسطو وافلاطون توليا تعليم امبراطور مقدونيا الاسكدنر الأكبر. أما هتلر وموسيوليني فكانا معجبين بكتاب الأمير لميكافيلي. وكان لكتاب ثروة الأمم لآدم سميت أثر بالغ في السياسية الليبرالية الغربية اما برنارد لويس فكان مبرمج فكري لتيار المحافظين الامريكان زمن بوش الابن، هذا لا يعني مطلقا ان الغرب اخلاقي في توظيف العلم مع السياسة بل إنه وظف المعرفة لاجل الاستعمار واستلاب الشعوب والزعم بدمقرطتها.

في الشرق تحولت السياسة إلى الاستبداد، وفي الغرب كان هناك حقب استبدادية، لكنها انتهت بعد تجارب طويلة في زمن الاقطاع والتنوير إلى تحويل السياسة إلى علم عن طريق التناوب والانتخاب وعن طريق الصيغ البدائلية في حالة رفض الافكار، اما الرفض لاجل الرفض فهو العدمية بعينها.

الدستور