2024-03-28 - الخميس
00:00:00

آراء و مقالات

الوزني يكتب: المناطق التنموية الخاصة .. المنهجية والغاية

{clean_title}
د . خالد الوزني
صوت عمان :  


تشير إحصاءات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD إلى أنَّ دول العالم تحتضن اليوم ما يقرب من 5400 منطقة تنموية خاصة، في 147 دولة، وأنَّ هناك اليوم ما يزيد على 500 منطقة جديدة تحت الإنشاء في العديد من دول العالم، وقد نمت أعداد تلك المناطق بنسبة تفوق 35% في المتوسط سنوياً خلال السنوات الخمس الماضية، في حين أنها لم تكن تتجاوز 79 منطقة في 29 دولة في العام 1975. والمُتفق عليه دولياً أنَّ المناطق التنموية الخاصة يتمُّ إنشاؤها لجذب استثمارات متخصِّصة في بعض المناطق التي تستهدف الدول تنميتها لغايات تحقيق أولويات اقتصادية واجتماعية، أو حتى سياسية أحياناً.

ويتمُّ التخطيط لها وتصميمها لتحقيق تلك الغايات، وهي غايات محددة، بل ومحصورة أحياناً، في قطاعات اقتصادية مستهدفة، وضمن أولويات تنموية واضحة ومدروسة وموجَّهة الأهداف. وعليه، تكون بعض المناطق موجَّهة لقطاعات صناعية محددة أحياناً، أو لقطاعاتٍ خدمية لوجستية معينة، أو لتنمية زراعية مُستَهدفَة، أو حتى لِسِمَةٍ أو هُوِيَّة اقتصادية محدَّدة، مثل المناطق الموجَّهة لصناعات الروبوتات، أو كحاضنات أعمال لتشجيع الابتكار والريادة. ومن هنا، فإنَّ توجيه المناطق التنموية الخاصة نحو أهداف وغايات محددة هو الأساس والمُبرر في منح المستثمرين في تلك المناطق، دون غيرها، إعفاءات ضريبية وجمركية من جهة، وحوافز في سهولة بدء الأعمال وفي بيئة الأعمال وبشكل متنوع، من قبيل حوافز تبسيط الإجراءات، وتقليل عدد المتطلبات الورقية، ومنح صلاحيات كبيرة ومُبسطة للتسجيل والتراخيص، وفي أسعار الأراضي في بعض الأحيان، ناهيك عن توفير بنية تحتية عالية الجودة ومنخفضة التكاليف، بما في ذلك أسعار المياه والطاقة، ومتطلبات الاتصال على شبكات الإنترنت، وسرعات تلك الشبكات، من جهة أخرى.

والشاهد ممَّا تقدَّم أنَّ المناطق التنموية الخاصة تطبيق عالمي يقوم على تحديد متطلبات تنمية محددة من حيث القطاعات، ومن حيث الجغرافيا، ومن حيث أولويات التنمية، وخاصة في مجال توظيف العمالة، وتشجيع الابتكار، والمبادرات الحيوية الجديدة التي تتناسب ومستقبل الثورات الصناعية والزراعية والخدمية القائمة والمستقبلية، وضمن ذلك التحديد، وتلك الاستهدافات تُمنَح حوافز مالية واقتصادية واجتماعية متعددة.

والدرس الأساس هنا، أنَّ المناطق التنموية الخاصة تطبيق ناجح إذا أُحْسِنَ استثماره في قطاعات محدَّدة تتناسب وتنافسية المناطق التي تُنشَأ فيها، وتتواءم وأولويات التنمية في تلك المناطق.

وأخيراً وليس آخراً، فقد أطلقت المملكة العربية السعودية مؤخراً استراتيجية وطنية للاستثمار تتواءم ورؤية المملكة 2030، وقد شملت الخطة إنشاء مناطق تنموية خاصة متعددة تغطي كافة القطاعات التنافسية للمملكة، مع التركيز على أن تسهم تلك المناطق في وضع المملكة على الخريطة العالمية في مجالات سلاسل الإمداد الدولية، وفي مجالات وقطاعات الاقتصاد الواعدة في التقنيات والرقمنة، مع التركيز بشكل كبير على قطاعات السياحة، والصحة، والتقنيات الحيوية، والبنية الرقمية، والتحول الرقمي، والحوسبة السحابية. إضافة إلى توفير مناطق متخصصة في المجالات اللوجستية، وفي مجالات البحث والتطوير للقطاع الصناعي.

وتشير الخطط التنفيذية إلى سعي المملكة العربية لتحديد مناطق اقتصادية متخصِّصة قادرة على بناء سلاسل إمداد دولية، تجعل منها مقراً لتصدير منتجات الشركات العالمية، إضافة إلى مناطق متخصِّصة في مجالات الصناعة التحويلية، والتقنيات الحيوية، والمجالات الثقافية، والصحية، والاقتصاد الأخضر. إنَّ المناطق التنموية، أو الاقتصادية، الخاصة والمتخصِّصة موجودة حول العالم، وهناك تطبيقات مُثلى عالمية. وعليه، فَحُسْنُ إدارة التجربة هو ما يجعلها ناجحة، ومنتجة ومحقِّقة لأهداف التنمية، وتَرْكُها دون إدارة حصيفة وتطبيق حكيم رشيد، يحولها إلى أعباء تنموية، سببها صنّاع القرار وليس فكرة إقامة تلك المناطق، أو مفهومها.