ما حدث ليس خطأً تقنيًا ولا ظرفًا طارئًا، بل جريمة إهمال مكتملة الأركان، ضحيتها عشرة أردنيين دخلوا بيوتهم بحثًا عن الدفء، فخرجوا منها جثامين.
السؤال الذي لا يجوز القفز عنه: من منح هذه المدافئ شرعية التداول؟ ومن وقّع على سلامتها؟ ومن غاب عن واجبه الرقابي حتى تحوّل الشتاء إلى موسم موت؟
حين تصل منتجات قاتلة إلى منازل المواطنين، فهذا إعلان صريح عن فشل منظومة الرقابة والتفتيش، وليس ثغرة عابرة، لجان وُجدت لحماية الأرواح، لا لإصدار تقارير تُدفن في الأدراج، ولا للتحرك بعد أن يقع المحظور.
عشر عائلات دفعت الثمن الأغلى، وأطفال دُفنوا قبل أن يعرفوا معنى الحياة، لأن جهة ما قصّرت، أو تهاونت، أو غضّت الطرف.
البيانات الرسمية بعد الكارثة لا تُسقط المسؤولية، والجولات الميدانية المتأخرة لا تُبرئ الذمم، ما نريده اليوم ليس لغة تعاطف، بل لغة محاسبة، من قصّر يجب أن يُحاسَب، ومن سمح بتداول هذه المدافئ يجب أن يُسأل، ومن فشل في الرقابة يجب أن يتحمّل تبعات فشله، إداريًا وقانونيًا، دون مواربة أو تجميل.
الأردنيون اليوم لا يطالبون بالمستحيل؛ يطالبون فقط بدولة تحميهم قبل أن تنعاهم، وبمؤسسات تقوم بدورها قبل أن تصدر بيانات الأسف، ما جرى وصمة خطيرة في سجل الإدارة العامة، ولن تُمحى إلا بتحقيق شفاف، ومحاسبة حقيقية، وإجراءات صارمة تضمن ألا يدفع المواطن حياته ثمنًا لإهمال رسمي، فسلامة الناس ليست خيارًا… بل واجب لا يُسامَح في التفريط به